عدت مرة أخرى واعذروني لإتشغالي هذه الأيام...
اختي الفاضلة حنان سأقول جازما ومؤمنا بأنا الحكمة الإلهية والخالق سبحانه وتعالى لم يخلق إلا الجمال ولاشيء غير الجمال، والقبح الذي نراه كبشر فهو من صنعنا ومعاييرنا نحن فقط، سواء كان ذلك القبح حياً أو ميتاً، ولابد من أن نفرق بين المصطلحين الجمال والقبح وبين مصطلحين مهمين أيضا وهما الخير والشر، ولكني لن أكتب حاليا عن هذه المصطلحات ولا المعايير التي اتخذها البشر لقياس الجمال والتعرف عليه، وسأعود لاحقا لها نظرا لأن الموضوع ليس بالسهل شرحه والوقت هذه الأيام محسوب بالدقيقة، وسبب آخر مهم جدا أني أردت أن أحصر الحوار في الموضوع الأساسي وأن لانتشعب كثيرا فنفقد الهدف الذي بدأنا به ولهذا أعود لنقطة الثعبان والعقرب وتفسير البعض لهم بأنهما من المخلوقات القبيحة كما يزعم:
الإسلام أختي الكريمة لم يأمرنا يقتل الثعبان دون سبب ولا قتل أي كائن حي تعسفاً وجبروتا، فالإسلام في نصوصه وعلى حد علمي القاصر لم يأمرنا بمثل هذه الجرائم ضد الحيوان والنبات كما هو الحال بالنسبة للإنسان وجميع المخلوقات، وعندما نقول أن الكون هو معجزة إلهية يتبلور جمالها في دقة نظامها وتسخيرها لمعمر هذه الأرض الإنسان، فنحن نقصد كل مافي الكون وقد سبق وأن أشرت إلى أن فوائد المخلوقات لايعيها أي انسان وطبيعي جدا لأن الإنسان خلق عجولا.
واليوم سأخص بعض مخلوقات الله كدلالة على جمالها بالنسبة لحياة الإنسان وسعادته ورخائه على وجه البسيطة بشيء يسير من الحديث، نعرف أو نتشدق دوما كمتخصصين في الفنون أو كمثقفين ومتعلمين بما يسمى بالتنوع الحيوي في البيئة، ونقف أمام طلابنا نحثهم على المحافظة على البيئة، أو مع أبنائنا نعلمهم النظافة ونبلغهم الرفق بالحيوان ورعاية النبات، ولكن لابد أن نكلف أنفسنا بعض العناء و نبحث عن هذه الحقائق التي ننقلها لأطفالنا وحتى نزداد يقيناً بهذه الأهمية، ونحن لانخرج عما كلفنا به في التدبر والتفكر والتعقل بل نحن نؤدي عبادة من العبادات وطاعة لله سبحانه وتعالى، مع أن الكثير عندما أصابهم القصور الذي تحدثت عنه قبلا لازالو يعيبون على بعض العلماء من أديان أخرى بأنهم يتابعون الحيوان والحشرات والكائنات البحرية كعبث وتدخل فيما لايخص الإنسان، وأنهم لو وجهوا طاقاتهم في علوم نافعة على حد قولهم سيفيدون البشرية (وهذه واحدة من الصور القاصرة التي نعاني منها اليوم وهي ليست من جهلاء لكن من متعلمين).
أعود مرة أخرى لأتحدث عن التنوع الحيوي وهذا المسمى يعطي انطباعا عاما يقتصر في معظم الأحيان على أنه مرادف للجمال (جمال الطبيعة وغناها)، لكن تقدم الدراسات العلمية الدقيقة في علاقات الأنواع الحية ببعضها البعض، بات يضع جمال الطبيعة في آخر الإعتبارات. لكن هذه الدراسات أيضا قد أكدت على أن التنوع الحيوي هو شرط أساسي لبقاء ورخاء الإنسانية.
في سبتمبر الماضي أصدرت إحدى المجلات العلمية (أميريكان سيانتافيك) عددا خاصا بالتحديات الستة التي توتجه الإنسانية اليوم، وكان من أحد هذه التحديات هو إنقراض بعض الأنواع الحية إلى جانب مواضيع خمسة أخرى وهي: الإنفجار السكاني وأزمة الطاقة والماء والوجه الجديد للأمراض والفقر. ومايهمني في هذه الدراسات أنها خلصت كلها على أن إنقراض نوع واحد من الأنواع الحية في هذه المنطقة يؤدي إلى زعوعتها برمتها وإلقائها إلى حافة المجهول، وأن هناك صلة وثيقة مابين بيئة أية منطقة في العالم وبيئات المناطق المجاورة يمكن لأي تغير سلبي في أي مكان في العالم ان يقود إلى سلسلة من التفاعلات السلبية التي لايمكن إدراك مداها وحجمها في العالم أجمع.
وقد شرح بسام الحلبي (أستاذعلم الأحياء وباحث في الشؤون البيئية) الخلل البيئي في التنوع الحيوي ببساطة شديدة فقال : لو فرضنا أن الأرنب البري في الغابة وهو حيوان يتكاثر بسرعة مذهلة وتتغذى على النباتات الصغيرة وجذورها، ولكن هذا الأرنب لو قدر أن يكون وجوده وحيدا دون منافس أو مصارع كالحيوانات المفترسة مثل الذئاب والضباع والثعالب (والثعابين أيضا) فسيكون الأرنب البري كارثة على النبات ومن ثم على البيئة والإنسان. وهذا ببساطة شرح للتنوع البيئي.
اكتفيي بهذا القدر عن التنوع البيئي فأعتقد اتضح دور الثعبان وأهميته زكيف أصبح مرتبطا بجمال الطبيعة الحقيقية.
وبقي لي أن أضيف مؤكدا على ماذكره أستاذنا الفاضل شوقي عزت أنه بالفعل أستاذي نحن من نعلم أبنائنا الجميل والقبيح فتصبح مسلمة عندهم هذا قبيح وهذا جميل ويكلفون خطأ تعليمنا لها، وللدلالة على ذلك أقص قصة حدثت لي شخصيا في إحدى الرحلات عندما كنت في ماليزيا وزرت احد القرى الشعبية هناك مع أطفالي الصغار، التقينا بصائد للثعابين ومعه مجموعة كبيرة من الثعابين من نوع الأناكوندا وهي أصلات معروفة فطلبت منه أن أحمل واحدة صغيرة وألتقط صورة معها وكان أطفالي يشاهدونها ويستمتعون بمنظرها الجميل ثم تقدمت ابنتي الصغير ووضعت يدها على رأس التعبان تربت عليه دوخ خوف لأنها لم ترى قبلا ثعبانا ولأن والديها لم يصيباها بالذعر دوما من كلمة ومنظر الثعبان ثم انتهت الرحلة وعدنا إلى الفندق، وبعدها بيومين نزل ابني وبنتي قبلي إلى ساحة الفندق للعب وعندما وصلت لن تصدق ماذا شاهدت: كانا يحملان ثعبانا كبيرا يملكه أحد المتجولين يعرضه على السياح ويسترزق مما يعطونه له، لكن المثير هو أن ابناي تقدما دون خوف من صاحب الأصلة وطلبا أن يحملاها برفق ويلعبا معها وكانت هذه مفاجأة للمشاهدين وطبعا للأسف أعظمهم سياح عرب، وسمعت بنفسي من خلفها كلمات الإستنكار والقليل من كلمات الإعجاب بالشجاعة المتهورة من أطفال في سنهما وكانا الإبن عمره ست سنوات والبنت اربع سنوات. وسأضع الصور لهما لاحقاً.
الخلاصة أخواني أن الفنان يظن أنه الوحيد القادر على تمييز الجمال بحكم مهنته لكنه مغرور لو ظن هذا فكل العلوم قادرة على ابراز مواضع الجمال في تخصصها والفانون أنفسهم يتقاتلون ليثبت كل منهم أنه الأقدر على تمييز الجمال حتى وصل بنا الحال للإنحدار إلى السلوكيات المختلة فنعرض الفنون المثيرة للشبهات والشهوات ونقدس مالايستحق أن يقدس وأصبح فننا سلعة تباع وتشترى وقبلة يقصدها ويتبعها الغاوون مثلنا مثل الشعراء، وهذا لايشمل الكل ولايعمم فلا زال منا من له هدف ومبدأ ونراه حقا قوي التأثير عالي الصوت بعمله لا بمنبره.
تحياتي للجميع
Bookmarks